عندها تتساقط الدموع حزنا §¤~^~¤§ إلى أمي الحبيبة يرحمها الله

 

رحم الله تلك الروح

التي رحلت في تمام الساعة الثامنة والنصف

من صباح يوم السبت

الموافق 25 – 7 – 1998 م

وأسكنها فسيح جناته

 

 

يا راحلين عن الحياة وساكنين بأضلعي
هل تسمعون توجّعي وتوجّع الدنيا معي

أذكرها حين اتصلتُ بها من السكن ..

لأبشّرها بنتيجة نهاية الكورس
وكنا نستعد للنزول .. حين كانت تقول لي
"
هدية الامتياز تحقيق أمنيتك القديمة "
فبكيتُ من الفرحة في الهاتف .. وأبكيتها معي
ولكنها رحلت.. قبل أن تقدم الهدية

أذكرها حين وصلتُ من السكن ..

نزلتُ من السيارة مسرعةً لأراها
فإذا بها عاجزة .. تحاول النهوض جاهدة لاستقبالي
فألقيتُ بنفسي فوقها وأنا أبكي بكاء الصغير
وأحتضنها بين ذراعيّ بشوق .. وكانت بداية المأساة

أذكرها حين استطاعت الوقوف على قدميها من جديد
وقد علت شفتيها ابتسامةً افتقدناها لزمن
بعد أن انتقلتُ وإياها إلى المستشفى لعلاجها
واعتقدتُ أن شمس صحتها ستعاود الشروق قريباً
وما علمتُ وما علِمتْ ..

أن شمسها ستغيب للأبد بعد عشرين يوماً

أذكرها حين كانت تبحث عني بخوفٍ أعجب منه
كلما اختفيتُ من الغرفة دون علمها
وأحياناً لا تلحظني وإن كنتُ جالسة ..

وهاهي الآن قد اختفتْ
ليس من غرفتي أو حتى من البيت فقط ..

وإنما من حياتي تماماً
وما تبقّى منها غير صورةٍ مخلّدةٍ في الأعماق
ودعاءٍ نديّ .. أرفع يدي به ضارعةً إلى الله

أذكرها وهي توقظني من النوم

لأساعدها على النهوض وهي تقول لي
"
فديتك ما تركتك لتنامي اليوم "
وها هي الآن تنام في اللحد ..

فاللهم أنر قبرها بنورك الكريم
ووسّع مدخلها وآنس وحشتها ..

وارحمها برحمتك الواسعة

أذكرها حين استيقظتُ من النوم فزعة ..

والتفتُّ إليها بسرعة
وكأني أعلم أنها سترحل في ذلك اليوم
أذكرها وهي تشير إليّ لأحضر لها شربة ماء ..

وقد كانت تحتضر

كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحاً ..

حين قال لي الدكتور
"
انتظريها من الآن وحتى العاشرة لا أكثر "
ماذا أنتظر ؟ .. أن ترحل أمام عيني بصمت ؟
كم كانت اللحظات قاسية ..

وبالفعل قبّلتها وجلستُ بجانبها
وبكيتُ بحرارة .. بانتظار ما كنتُ لا أودّ قدومه

ولم يطُل الانتظار

فها قد بدأ جسدها يسكن أمام عيني تدريجياً

رحلتْ الحبيبة .. وسرعان ما افتقدتها
بمجرّد أن سكتّ بعد أن تعالى بكائي للحظات ..

أحسستُ بهدوءٍ عمّ المكان
وكأني قد سكتّ ولديّ أمل لسماع صوتها ..

ولكن هاهي أمامي .. ساكنة مطمئنة ..

اتّجهتُ نحوها .. وضعتُ يدي على صدرها
لعلّي أجسُّ نبضاً متستّراً .. ولكن لا أمل .. سكونٌ تام

أغمضتُ عينيها .. وقبلتها قبلتي الأخيرة

إضاءة الغرفة كانت بالنسبة لي غير طبيعية
كنتُ أحسّ وكأن كل ما يحصل هو عبارة عن مسرحية
وأنا أتقنتُ الدور تماماً ..

لم أكن قادرة على استيعاب المعنى كما يجب
ولستُ أدري هل استوعبته الآن ؟ ..

أم أن فصول المسرحية لا زالت مستمرة

عاودتُ النظر إليها .. بعد أن أحيطت بقماشٍ أبيض ..

تأملتها طويلاً
وكأني أريد إنهاء تلك المسرحية التراجيدية

بحركةٍ منها تعيد ابتسامتي
ولكن على ما يبدو أن تلك المسرحية .. ستكون بلا نهاية

ذهبتُ معها وعدتُ بدونها ..

عدتُ وأنا افكّر بالفصل القادم من المسرحية
"
نقل الخبر لإخوتي "
كم كانت مهمةً صعبة .. استيقظوا من النوم ..

ليجدونني بينهم أبكي وأقول
"
لــقـــد تــوفّـــيــــت "
لم يصدّقني أحد مباشرة .. كم تمنوا لو كنتُ أمزح
كنا نتصوّر أنها ستبقى معنا للأبد ..

فليس لنا أحد سواها على هذه الدنيا
ولكن تلك مشيئة الله .. والحمدلله

وأعود وأقول
"
حينما تتساقط أوراق الخريف ..

وتتساقط معها وريقات العمر "
من على تلك الشجرة الوارفة ..

التي كنا نستظل بظلها
حتى تبقى تلك الشجرة بلا أوراق
عندها .. تتساقط الدموع حزناً

على تلك التي رحلت بلا كلمة وداع
رحلت دون أن تعلم .. وعزائي بعد رحيلها اثنان
فلقد كان آخر عهدي بها .. أن اختلط دمي بدمها
وأني قبّلتها قبل رحيلها بلحظات .. وبعد رحيلها بلحظات

أسمع عزاء قلبي المستمر وهو يقول لي
لا تحزني .. فليس المهم أنها قد رحلت عن الدنيا "
المهم أن تكون قد رحلت بما يكفيها لجنة الخلد
"
فذلك هو الهدف .. وليس الاستمرار في الحياة بقدر الإمكان

ولا زالت صورتكِ الاخيرة باقية
أحتضنها بكل عشقٍ كان لكِ .. وأتأملها بكل شوقٍ صار لكِ

كتبتها في شهر أغسطس 1998 م

 

This entry was posted in ⊹⊱ كتاباتي ⊰⊹. Bookmark the permalink.

Leave a comment